<< الأربعاء، 16 أبريل/نيسان، 2014
أبو غزالة لـ «الدستور»: الحاجة ماسة لتغير نوعي في نظام التعليم في المملكة
عمان - الدستور- خالد الزبيدي
الحديث مع المفكر العربي والريادي د.طلال ابو غزالة يتشعب في معظم مناحي الحياة، ويقدم سيناريوهات حيوية للانعتاق من البطالة والفقر، وزيادة انتاجية المواطنين، مؤكدا ان كبريات الجامعات تطلق على قاعاتها الرئيسية اسماء لعلماء عرب ومسلمين مثل الفارابي وابن خلدون وابن سينا، بينما نتمسك بما يسمى بالحرم المدرسي والجامعي، وانحى باللائمة على العنف الجامعي للاسوار العالية، وقال ان مسايرة العالم يتطلب الانتقال الى عصر المعرفة وتوظيف تقنية المعلومات والاتصالات، وقال ان اتقان اللغة الانجليزية واستخدامات تكنولوجيا المعلومات هي شرط لعمل منتج في كافة القطاعات والمهن، في عالم لايعترف الا بالحداثة والمعرفة.
«الدستور» حاورت د. ابو غزالة في يوم الجمعة وهو العطلة الاسبوعية، وقال إن العمل لايعرف التوقف عن التفكير والعمل المبدع، واضاف ان جيل الاطفال واليافعين من الشباب اكثر قدرة للوصول الى المعرفة واستخداماتها بينما يعجز السواد الاعظم من الكبار من مدرسين في المدارس والجامعات. حيث كان العالم قبل دخول عصر المعرفة تتضاعف العلوم مرة كل عشر سنوات اما اليوم فأن العلوم تتضاعف كل عشرة ايام، وان الاطفال واليافعين اكثر قدرة على المتابعة وتحسين تحصيل المعرفة على اشكالها، وتاليا نص الحوار:
الدستور: التعليم ركيزة اساسية في المجتمع والقاعدة المتينة التي تستند اليها جميع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية للتقدم والمنافسة محليا واقليميا ودوليا، ومع ثورة تقنية المعلومات والاتصالات اصبح تطوير التعليم اكثر سرعة وفعالية لجسر الفجوة مع الامم والشعوب المتقدمة، وبرغم ذلك ما زالت عملية التعليم غير قادرة على النهوض بالمجتمع والتنمية الاقتصادية كما يجب، واستمرار ظاهرتي البطالة والفقر عند مستويات مرتفعة ومقلقة، والسؤال الذي يطرح في هذا المجال...كيف يمكن بناء نظام تعليمي كفوء فعال يسّرع من الافلات مما نحن فيه اقتصاديا واجتماعيا؟.
د.ابو غزالة..في العام 1982 كنت رئيس فريق للامم المتحدة لمعايير المحاسبة والابلاغ، وبصفتي تلك طلب منى الامين العام للامم المتحدة آنذاك كوفي عنان، رئاسة المؤتمر الاول للتعليم في مقر الامم المتحدة في نيويورك، وجاء رئيس فريق الولايات المتحدة الامريكية للتغيير في معايير المحاسبة، وعندما تحدثنا في المؤتمر وجهت الكلام اليه «بأنك تتحدث عن تغيير المعايير ولاتتحدث عن تطوير المعايير»...رد قائلا يجب ان يكون لدينا الجرأة للقول بأننا بحاجة للتغيير لا التطوير.
وهذا ما تم في المؤتمر..وهنا يجب ان نكون قادرين على ذلك والاعلان عن تغيير نظام التعليم الاردني بالكامل لاتطويره بحيث يواكب ما حققته الامم والشعوب المتقدمة في التعليم، لذلك نصر هنا على التغيير، فالامم والشعوب التي لديها ثقة بنفسها تستطيع ان تقول لدينا اخطاء واخفاقات هنا وهناك وعلينا معالجتها جذريا، والمشكلة في ان يقول البعض ان اوضاعنا جيدة ويمكن ان تكون افضل فقط بالتطوير عندها نكون قد اعقنا التقدم الحقيقي المطلوب.
وامامنا فرص تاريخية للتغيير وانجاز هذه المرحلة مع دخول العالم عصر المعرفة، وفي ليلة قبل اشهر سمعت خلال متابعة نشرة الاخبار المحلية ان الحكومة جهزت جميع مدارسها بالالواح السوداء ( السبورة) والطباشير، والله انه خلال تلك الليلة اصبت بالاكتئاب، ونادرا ما يصيبني الاكتئاب، لكن عندما اسمع ان الحكومة تعلن عن ذلك لاسيما انني لم اسمع منذ سنوات عن الطبشورة، اي اننا ما زلنا في عصر الطبشورة والعالم في عصر المعرفة وثورة تقنية المعلومات والاتصالات، فالعالم يمر اليوم في الانتقال، واذا اردت النظر الى التحولات في العالم يجب ان تركز على التحول والانتقال الى المعرفة، وماذا يعني ذلك بالنسبة لي؟، الطفل الذي يبلغ من العمر ثلاث سنوات يستطيع التعامل واستخدام التقنيات والاجهزة الالكترونية الجديدة، فالعالم اليوم ينقسم الى قسمين الاول الشياب، والثاني من الشباب المسلح بالتقنيات والاتصالات والمعرفة المتنامية.
فالمنظمة العالمية للاتصالات ( ITU) تعد احصاءات سنوية حول مواطنين يعتمدون المعرفة ( الرقميون ) بالمقارنة مع القسم الاول ( الشياب)، وخلال السنوات العشر المقبلة سيكون المواطنون الرقميون هم اغلبية البشر، وهنا اريد ان اقول لصانعي قرار التعليم في المملكة ...كيف تستطيع ان تعلم طفلا يدخل المدرسة وقد درس المعرفة من خلال تقنيات المعرفة، ثم تطلب منه ان يكتب على اللوح بالطبشورة، وهذا الطالب لم يستخدم لا القلم ولا يعرف الطبشورة، بينما كان يستخدم اصابعه لادارة اجهزة المعرفة والبحث، وستواجه مدارسنا بدون استثناء مشاكل كبيرة بخاصة المدارس الحكومية وقسم من المدارس الخاصة، فالتعليم الحالي هو شكل مختلف ظاهريا عن اسلوب تعليم الكتاب مطلع القرن الماضي.
وسيواجه الطلبة الجدد ( جيل رقمي ) مع المدرسين الذين ينشغلون بهموم الحياة وتكاليف معيشتها ولايجيدون استخدامات المعرفة، ولدينا مفهوم ان مدرس الابتدائي لايحتاج الى علوم وخبرات كبيرة، بينما الصورة الجديدة ان الطلبة في الابتدائي هم الاكثر استخداما لتقنيات المعرفة، اي ان الطفل يدخل المدرسة وهو اكثر علما ومعرفة من بعض خريجي الجامعات من حيث استخدامات التقنيات الجديدة والتعامل معها، وهنا نحن امام فجوة كبيرة بين الطلبة والمدرسين، وهنا لابد من التنبه لذلك والاستعداد في التعامل معها بما يردم هذه الفجوة.
الدستور: هل يمكن الاستمرار بالتعليم وفق الانماط الحالية والتقدم تدريجيا للتحول الى عصر المعرفة في التعليم؟
د.ابو غزالة ...في هذا السياق اجرينا في مجموعة طلال ابو غزالة دراسة مع اليونيسكو ضمن شراكة بين الجانبين للتثبت من مدى استخدام تقنية المعلومات والاتصالات في التعليم والمدارس، وخلصت الدراسة الى ان هناك مشكلة حقيقية لان استخدامات الطلبة للتقنيات والاتصالات لاتعتمد معايير محددة في المدارس، وهنا فان الانسان الرقمي الذي سيحكم العالم مستقبلا لا يقبل التعلم وفق الطرق القديمة... وان على مدارسنا ان تجهز وتزود بمتطلبات التقنيات الحديثة والاتصالات، والانتقال الى المدرسة الذكية، التي تعمل من خلال تقنية المعلومات، والحقيبة المدرسية الذكية، وهي الجهاز الذي يحمل بكافة الكتب المقررة، وان تتم الدراسة والامتحانات بواسطة الجهاز.
ماليا لا يمكن تصور ان أي دولة غنية بما فيها أمريكا لا تستطيع توفير مستلزمات الدراسة والمباني بدون الانتقال الى تقنية المعلومات والاتصالات، والتعليم الرقمي هو المشروع الطموح الذي تديره مجموعة طلال ابو غزالة وهو مشروع متكامل للدولة الاردنية، يخص المدرسة والطالب والادوات التقنية، وهو ارخص ماليا على الخزينة بالمقارنة مع الوسائل والمستلزمات التقليدية...وأي مسؤول يقول اننا لا نملك المال اقول له نعم ليس لدينا موازنة لتعليم الطلبة في المدارس لكن نستطيع ذلك بكلف أقل بالاعتماد على التعليم الرقمي.
الدستور: الاطفال في سنوات التعليم الابتدائي بحاجة للتوجيه وبناء الالتزام في نفوسهم، هل يمكن انجاز ذلك بالاعتماد على التعليم الرقمي بعيدا عن أعين الرقابة والتوجيه لهم؟
د.ابو غزالة... أؤكد ان لا دور مستقبلا للمدرسة والمدرس، اصل كلمة التعليم ( Education) رومانية وتعني اسحب، وفي الدين الاسلامي يقول اطلب العلم، ويجب ان نتحول من التعليم الى التعلم، ويقتصر دور الاستاذ على التوجيه التقني فقط، وبالمناسبة هناك أمثلة كبيرة ماثلة امامنا ستيف جوبز ، بيل جيتس زكر بيرد، لم يكملوا تدريسهم وتركوا المدارس لانهم لم يجتازوا المعدلات المطلوبة، ومع ذلك اصبحوا من أهم قادة العلم في العالم، ووجدوا ان المدارس لا تضيف لهم الكثير، ونجحوا في الدراسات الخاصة....هنا علينا ان نعي ان العالم يتغير وعلينا مواكبة ذلك بابداع، وهو بمثابة تسونامي سيضرب المدارس والجامعات حسب وصف رئيس جامعة هارفرد.
فالعالم يواجه نهاية عصر المدرسة والجامعة، وهذا التغيير المستند الى ثورة تقنية المعلومات والاتصالات اي عصر المعرفة دخل كافة مناحي حياتنا باستثناء التعليم، وحسب دراسات امريكية فان 80% من المدارس والجامعات الامريكية ستكون رقمية، اي بدون مبانٍ وصفوف، ونحن في الاردن نعتقد كثيرا بالحرم المدرسي والجامعي ماذا يعني سور وبوابة وواحد يسأل عن الهوية، وفي هذا السياق القيت محاضرة في جامعة هارفرد لم أجد بوابة ولاسورا وهي مختلطة مع جامعة مجاورة (ام اي تي)، ولم اعرف اي جامعة، وجامعة بوسطن على الطريق الدولي، وكلية طلال ابو غزالة في عمان لا سور لها ، ولا يوجد لدينا عنف جامعي ولا تحرش ولا مشاكل، وفي الاردن يجب ان تزال الاسوار والجواجز، ولو هدمت الاسوار لانتهى العنف الجامعي، وكل ما يؤذينا، وستعفي الجامعات الحكومات من الاموال، بخاصة وان جامعاتنا اصبحت موجودات عقارية تشكل اكثر من 60% من ميزانياتها.
في احد المؤتمرات التي شاركت فيها مبكرا في العام 1965 توصل الباحثون ان العلوم البشرية تتضاعف كل عقد، اما في هذه المرحلة تتضاعف العلوم كل عشرة ايام ، وكمية المعلومات تتدفق ولا قبل للمعلم ان يتابعها، اما الطلبة يستطيعون لانهم متفرغون للعلم والبحث، وحاليا قدمنا للدولة وسندعو لالغاء الاسوار والمدارس بشكلها الحالي، ونقدم نموذجا للمدرسة الذكية.
الدستور: هذا قد يقود الى زيادة معدلات البطالة في المجتمع الأردني؟
د. ابو غزالة ... ابدا اريد معالجة البطالة، ومن متطلبات العمل اتقان اللغة الانجليزية واستخدامات تقنية المعلومات، نحن بحاجة لجيل من الخريجين قادرين على العمل في كافة الانشطة، وامل ان نكافح ما يتم تداوله بين شبابنا في المراسلات الالكترونية بكتابة التشات ( اربيزا)، وهو تمهيد لالغاء اللغة العربية والانجليزية، ونسعى لاستخدام اللغة العربية الصحيحة واللغة الانجليزية الصحيحة، وهذا عدوان على الامة العربية وثقافتنا وعلومنا، والعلم هو المفتاح لمعالجة البطالة، وهنا اين ذهب ساعي البريد العادي ( البوسطجي) ...ذهب الى اعمال اخرى.
الدستور: هل يعني ذلك اننا بحاجة لبناء ثقافة جديدة في المجتمع...
د.ابو غزالة... هذا يحتاج الى قرار و التطبيق ليس صعبا، نحن بحاجة لدخول عصر المعرفة بهمة، وبالمناسبة بيل جيتس يسمى نفسه بعامل معرفة، واي انسان لن يجد عملا اذا لم يتحول الى عامل معرفة مهني او اكاديمي...واول التسعينيات كان الاردن في مقدمة دول المنطقة في مجالات الحكومة الالكترونية، اي تقديم الخدمات للمراجعين الكترونيا، وبعد عشرين عاما اصبحنا في آخر سلم المنطقة في هذا المجال، لبنان متقدم، دبي امارة الكترونية، ودول الخليج، اي ان من لا يتقن استخدامات تقنية المعلومات لن يجد عملا له...واهم عناصر النزاهة والشفافية تقديم الخدمات باعتماد التكنولوجيا، اي لا واسطة ولا محسوبية ولا رشوة...وغير من ذلك الامراض التي تتعبنا في حياتنا.
الدستور: يقال ان الانترنت يساهم في تحقيق المساواة والعدالة والى حد ما الديمقراطية.. ما تعليقكم؟
د. ابو غزالة ...هذا دقيق الى حد كبير لان من يجلس على الجهاز يتساوى مع الجالس على الجهاز على الطرف الآخر، وهذا الامر طرح منذ اواخر الستينيات وتعمم مطلع الثمانينيات، لذلك الانترنت مزايا كبيرة تخدم الانسانية بكافة القطاعات والتعليم في مقدمتها، ومن خلال جامعة طلال ابو غزالة نسعى لخريجين معتمدين من قائمة تضم افضل 500جامعة عالمية معترف بشهاداتها حول العالم، ونوصل التعليم الكترونيا في جامعة مجهزة وبكلف اقل ويستمر لدارس في عمله، والمتفوقون في العالم هم من عملوا لوحدهم ..ياهو مثال ولا احد يساعدهم ويدعمهم.. والمطلوب جهاز وايدٍ وفكر لبناء افضل المبادرات، وبالمناسبة لولا الصفر لما وجد الانترنت، والعرب هم من اخترعوا الصفر، لذلك نجد ان الفارابي وغيره مسجلة قاعات في كبريات الجامعات باسمائهم.
الدستور: هل أمورنا الآن تسرّ أحدا أم اننا تخلفنا كثيرا عن الدول والشعوب الاخرى؟
د.ابو غزالة...انا لا اقبل ان يكون الاردن اقل من فنلندا على سبيل المثال، عند سكان فنلندا مماثل لعدد سكان الاردن، الناتج المحلي الاردني يعادل 30 مليار دولار، والناتج الاجمالي لفنلندا يبلغ 170 مليار دولار، وهي لاتمتلك موارد طبيعية من النفط والغاز، بينما الاردن لدية 11 شهرا من اشعة الشمس...بينما هم تفوقوا لاستخدامهم المعرفة وصدروها الينا، لذلك نقول العصر الزراعي والعصر الصناعي انتهى، وعصر المعرفة المطلوب، لذلك علينا بناء المجمعات المعرفية، وبالمناسبة ان اختراعا واحدا للشباب مثل (سكاي بي، جوجل، ياهو) يعادل اضعاف كل ثروات العرب، وتجارة المعلوماتية تتجاوز الحدود والعقبات.
الدستور: تجارة المعرفة لاتكفي وحدها يحتاج الانسان للسلع الغذائية والصناعية الى جانب صناعة المعرفة وتقنية المعلومات، أي هل يستطيع الانسان فقط على تصدير المعرفة؟
د.ابو غزالة...الزراعة والصناعة يجب ان تعتمدا على عصر المعرفة، لاتستطيع منافسة الزراعة الاوروبية بدون توظيف مرفقي العلوم والتكنولوجيا، لذلك سلطات الاحتلال لماذا تفوقت زراعيا علينا لانها متقدمة تقنيا، لذلك لا ثروة بدون عصر المعرفة والتقنيات الحديثة، ثروات النفط العربي اقل من قيمة جوجل وحدها، هذه حقائق وصنع المعرفة هي الطريق الى صنع الثروة، ولا طريق آخر، وبالمناسبة صناعة المعرفة ليست حكرا على احد.